أخبار الرياضة

هيريرا الجندي المجهول في تشكيلة اليونايتد

أندير هيريرا، الجندي الخَفي، الذي كان ومازال يفعل كل شئ لكن في الخفاء، لا يأخذ الإشادة التي يستحقها، وحتى وقت السقوط لا يَذُمه أحد. هو كالكيمياء، ينبئك أن الأشياء لا تبدو ظاهريًا كداخلها؛ لأنك قد ترى أن دور هيريرا في الملعب مجرد “زيادة عدد”، ذلك إن كنت ترى كرة القدم من منظور سطحي فقط.

هيريرا من اللاعبين القلائل المناسبين لكل الأساليب تقريبًا، أي منظومة وأي أسلوب وأي فريق، عندما تكون الكرة بحوزة اليونايتد يتمركز هيريرا بين الخط الخلفي ونصف ملعب الفريق كي يكون العنصر الأول للخروج بالكرة. وقتها يحاول الخصم فرض الضغط عليه كحامل أول للكرة، فتظهر أهميته هنا في تقليل ذلك الضغط المفروض بتحرك عبقري بها، أو بتمريرة بينية مميزة بدقة بين الخطوط، أو كعادته يتصرف بها في أقل من ثانيتين ويستغل المساحة الفارغة خلف خط وسطهم نتيجة لضغطهم ويرسلها خلف المدافعين.. تلك اللعبة تكررت كثيرًا بينه وبين راشفورد مع سولشاير.

هناك نوعية من اللاعبين، نوعية “اللاعب المساند”، الذي لا يقدر أي فريق من الإستغناء عنه لأنه “رُمانة الميزان” في الوسط، اللاعب ضابط الإيقاع ومُخرِج الهجمة السلس، مثل هيريرا، مساند بوجبا، اللاعب الذي يُعطي الأريحية الكاملة له للتحرك بكرة وبدونها، وقت بناء الهجمة مثلًا، يتحرك بوجبا بدون كرة للأمام ويبقى هيريرا لإيصال الكرة بينه وبين المدافعين كعنصر رابط بين الخطوط.
كرة هدف اليونايتد اليوم ضد ليستر خير مثال على ذلك، لاعب يُعطي لاعب آخر المساحة الكاملة للتحرك، فبمجرد قطع الكرة من لاعبي ليستر، أرسل بوجبا كرته لراشفورد لتسكن الشباك.

وبمناسبة ذِكر تلك الثنائية، في مباراة بيرنلي التي غاب عنها هيريرا، سجل الخصم هدفين، وفقد اليونايتد السيطرة على المساحة في تلك المباراة رغم كثرة الإستحواذ، لكن دون جدوى وتوظيف حقيقي. هنا يظهر أهمية دور هيريرا، اللاعب ضابط الإيقاع في الوسط، الذي يخرج الهجمة بسلاسة وينقل مركزيات اللاعبين للأمام، وأيضًا يعرف كيفية إخراج الفريق من الضغط المفروض من الخصم بتمريرة واحدة أو بتحرك جسدي للهجوم أيضًا.

بعيدًا عن المشاكل التي يُعاني منها الفريق على المستوى التكتيكي والتي أهمها فقد الترابط بين اللاعبين أثناء الحالة الدفاعية وفقد عمق الملعب، لكن سولشاير آخر فترة اعتمد على لوك شو في أسلوب “conjunction in the center”، الأسلوب الذي إخترعه بيب جوارديولا مع بايرن، دخول الظهيرين لداخل الملعب لغلق العمق تمامًا وخروج الأجنحة للخارج لفتح الملعب بأقصى درجة، مع حرية لاعب أو إثنين للتحرك بدون كرة ولعب دور صناع اللعب المتأخرين، بدلًا من المُعتاد وهو زيادة الظهيرين هجوميًا وتوغل الأجنحة في العمق، وهو بالمناسبة يطبقه أيضًا حاليًا مع السيتي بفابيان ديلف وكايل والكر مع فيرناندينيو لحرية تحرك كيفين دي بروين ودافيد سيلفا وتقليل المهام الدفاعية عن بيرناردو سيلفا أثناء الخروج بالكرة، مع وجود الأجنحة على الطرف.
لوك شو كثيرًا ما كان يدخل في العمق مع ماتيتش ظهر ذلك الأسلوب جليًا ضد أرسنال في الكأس، وظهر ضد توتنهام أيضًا، ما أهمية هيريرا إذًا في ذلك الأسلوب؟

هيريرا بجانب ماتيتش وشو وأمامهم بوجبا في شكل مثلث يغلقوا نصف الملعب، الأمر الذي يتسبب في فقد الترابط بين لاعبي الخصم في عمق الملعب، وبديهيًا أنه يُفقَد على الأطراف أيضًا لعدم وجود المساندة من العمق، ولأنه إذا تم الضغط على أجنحة الخصم سيتم إلغاء دورهم، فيضطروا للسقوط للوسط لأخذ الكرة لأنه لا حل غير ذلك. هيريرا هنا يلعب دور الصياد، الذي يصطاد الكرة ويمررها بين الخطوط وخلفها في أقل من ثانيتين، مستغلًا المساحة التي تولدت أثناء تقدم الخصم من مراكزهم، الأمر يحتاج للدقة المُتناهية للتمرير، لأنه إذا تم فقد الكرة ستتحول لإنفراد حامل الكرة من الخصم بالحارس، لا حل آخر.

كل هذا ليس غريبًا، أن تكون تلك الأدوار الهجومية موجودة في لاعب إرتكاز محوري متحرك بجانب القدرات الدفاعية المميزة في الالتحام والثنائيات، هيريرا كان يلعب أصلًا كصانع لعب متأخر مع أتليتك بلباو مع بيلسا الذي قام بتطويره على بعض جزئيات المهام الهجومية أيضًا، والذي كان يتحول كمهاجم ثانِ أيضًا عندما تنتقل الكرة للثلث الأخير من الملعب. حتى أن سولشاير يعتمد على هيريرا دائمًا كعنصر إضافي على الجبهة اليُمنى، بأخذ الكرة ورفعها في المنطقة للاعبين أصحاب القامة العالية كبوجبا وراشفورد ولوكاكو، فعلها أكثر من مرتين هذا الموسم مع سولشاير وتم ترجمة فرصه لأهداف.

كُن مثل هيريرا، شخصٌ صعب تصنيفه لأنه يُجيد كل شئ، كُن مثله عندما تحاول ثم تحاول ثم تُجيد ما تحاول القيام به، كُن مثل هيريرا، ليُقال أنك الشخص الذي حاربت الظروف التي أدت لظُلمك لتأخذ فرصتك، ومن ثم تفعل ما توقعه الجميع، وحتى ما لم يتوقعه البعض، كي تكون صفعة قوية على وجوههم، بالفعل لا بالقول.

Ahmed Esmat

محرر وكاتب مقالات كروية خاص بالدوريات العربية والأوروبية خبرة 3 سنوات
زر الذهاب إلى الأعلى